فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)}
بهذا القول اتضحت المسألة، ومن قوله: {دَعْوَاهُمْ} نفهم أن المسألة ادعاء. ونحن نقول: فلان ادّعى دعوى على فلان، فإما أن يقيم بينة ليثبت دعواه، وإما ألاّ يقيم.
والدعوى تطلق أيضًا على الدعاء: {... وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [يونس: 10]
وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قالوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأعراف: 5]
ويشرح ربنا هذا الأمر في آيات كثيرة، إنه اعتراف منهم باقترافهم الظلم وقيامهم عليه، فسبحانه القائل: {وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير * فاعترفوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السعير} [الملك: 10-11]. اهـ.

.التفسير المأثور:

{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم، ثم قرأ {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين}.
وأخرج ابن جرير عن مسعود مرفوعًا. مثله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ}
جوَّزُوا في {دَعْواهُم} وجهين:
أحدهما: أن يكون اسْمًا لـ {كان}، و{إِلاَّ أَن قالوا} خبرها، وفيه خدشٌ من حيث إنَّ غير الأعرف جعل اسمًا والأعْرَفُ جعل خبرًا، وقد تقدَّم ذلك في أوَّل الأنعام عند {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} [الأنعام: 23].
والثانى: أن يكون {دَعْوَاهُم} خبرًا مقدمًا و{إِلاَّ أَن قالوا} اسمًا مؤخرًا كقوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا} [النمل: 56] {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النار} [الحشر: 17]، و{مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الجاثية: 25] ذكر ذلك الزَّمخشريُّ ومكيُّ بن أبِي طالبٍ، وسبقهما إلى ذلك الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ، ولكن ذلك يشكل من قاعدة أخرى ذكرها النُّحاةُ، وهو أنَّ الاسم والخبر في هذا الباب متى خفي إعرابُهُمَا؛ وجَبَ تَقْدِيمُ الاسمِ، وتأخير الخبر نحو: كان موسى صاحبي، وما كان دعائي إلاَّ أن اسْتَغْفَرْتُ، قالوا: لأنهما كالمفعولِ والفاعلِ فمتى خَفِيَ الإعْرَابُ التزم كل في مَرْتَبَتِهِ، وهذه الآيَةُ مما نحن فيه فكيف يُدَّعى فيها ذَلِكَ، بل كيف يَخْتَارُهُ الزَّجَّاجُ؟ وقد رأيتُ كلام الزَّجَّاجِ هنا فيمكن أن يُؤخَذَ منه جَوابٌ عن هذا المكانِ، وذلك أنه قال: إلاَّ أنَّ الاختيار إذا كانت الدَّعْوَى في موضع رفع أن يقول: فما كانت دَعْوَاهُم، فَلَمَّا قال: {كَانَ دَعْوَاهُمْ} دلَّ على أن الدَّعْوى في موضع نصب، غير أنه يجوز تَذْكِير الدعوى وإن كانت رفعًا، فمن هنا يقال: تذكير الفعل فيه قرينة مرجَّحةٌ لإسنادِ الفِعْلِ إلى {أنْ قَالُوا}، ولو كان مسندًا للدَّعْوَى لكان الأرجح كَانَتْ كما قال، وهو قَرِيبٌ من قولك: ضَرَبَتْ مُوسَى سَلْمَى فقدمت المفعول بقرينةِ تأنِيثِ الفِعْلِ، وأيضًا فإنَّ ثمَّ قَرينَةً أخرى، وهي كَوْنُ الأعْرَفِ أحَقُّ أن يكون اسمًا من غير الأعرف.
والدَّعْوَى تكون بمعنى الدُّعَاءِ، وبمعنى الادِّعَاءِ، والمقْصُودُ بها هاهنا يحتمل الأمرين جميعًا، ويحتمل أيضًا أنْ تكونَ بمعنى الاعتراف، فمن مَجِيئها بمعنى الدُّعَاءِ ما حَكَاهُ الخَلِيلُ: اللَّهُمَّ أشْركْنا فِي صالح دعوى المُسلمين يريد في صالح دُعَائِهِم؛ وأنشدوا: [الطويل]
وإنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ اشْتَفِي ** بِدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِهَا فَتَهُونُ

ومنه قوله تعالى: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} [الأنبياء: 15] وقال الزَّمخشريُّ: ويجوز: فما كان استغاثتهم لا قولهم هذا؛ لأنه لا يستغاثُ من اللَّهِ تعالى بغيره، من قولهم: دعواهم يا لكعب.
وقال ابنُ عطيَّة: وتحتملُ الآيةُ أن يكون المعنى: فما آلت دَعَاويهم التي كانت في حال كُفْرِهِمْ إلا إلى الاعتراف؛ كقول الشاعر: [الطويل]
وَقدْ شَهِدَتْ قَيْسٌ فَمَا كَانَ نَصْرُهَا ** قَتَيْبَةَ إلاَّ عَذَّها بالأبَاهِمِ

و{إذ} منصوب بـ {دعواهم}.
وقوله: {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} {كُنَّا} وخبرها في محل رفع خبر لإنَّ، وإنّ وما في حيزها في محل نَصْبٍ محكيًا بـ {قَالُوا}، و{قَالوا} وما في حيزه لا محل له لوقوعه صلةً لـ {إنَّ}، و{أنّ} وما في حيزها في محلِّ رفع، أو نصب على حسب ما تقدَّم من كونها اسمًا، أو خبرًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآيتين:

قال عليه الرحمة:
{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)} يعني كم من قرية ركنوا إلى الغفلة، واغتروا بطول المهلة؛ باتوا في خَفْضِ الدعة وأصبحوا وقد صادقتهم البلايا بغتة، وأدركتهم القضيةُ فجأة، فلا بلاء كُشِف عنهم، ولا دعاءَ سُمِع لهم، ولا فرار نَفَعَهم، ولا صريخ أنقذهم. فما زالوا يفزعون إلى الابتهال، ويصيحون: الويل! ويدعون إلى كشف الضر، ويبكون من مسِّ السوء؟! بادوا وكأنه لا عين ولا أثر، ولا لأحدٍ منهم خبر. تلك سُنَّة الله في الذين خَلَوْا من الكافرين، وعادته في الماضين من الماردين. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)}
بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن تلك القرى الكثيرة التي أهلكها في حال البينات، أو في حال القيلولة، لم يكن لهم من الدعوى إلا اعترافهم بأنهم كانوا ظالمين.
وأوضح هذا المعنى في قوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لاَ تَرْكُضُواْ وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُواْ ياويلنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الأنبياء: 11-15].
قال ابن جرير- رحمه الله- في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم» حدثنا بذلك ابن حميد. حدثنا جرير عن أبي سنان عن عبد الملك بن ميسرة الزراد قال: قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم» قال: قلت لعبد الله كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قالوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأعراف: 5]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (6):

قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ثم سبب عما مضى من أمر الرسول والأمم قوله دفعًا لوهم من يظن أن الأمر انقضى بما عذبوا به في الدنيا: {فلنسئلن} أي بما لنا من العظمة على جهة التوبيخ والتقريع للعصاة والتشريف والتعظيم للمطيعين، وأظهر موضع الإضمار تعميمًا فقال: {الذين}.
ولما كانت الملامة على تكذيب الرسول لا بقيد كونه معينًا بنى للمفعول قوله: {أرسل إليهم} أي وهم الأمم، هل امتثلوا أوامرنا وأحجموا عند زواجرنا كما أمرتهم الرسل أم لا {ولنسئلن} أي بعظمتنا {المرسلين} أي هل كان في صدورهم حرج مما أرسلناهم به وهل بلغوه أم لا يوم تكونون شهداء على الناس بما علمتم من شهادتي في هذا القرآن ويكون الرسول عليكم شهيدًا فإنا لابد أن نحييكم بعد الموت ثم نسألكم في يوم تظهر فيه السرائر وتنكشف- وإن اشتد خفاؤها- الضمائر، ولنرين الأفعال والأقوال، ولا نترك شيئًا من الأحوال. اهـ.

.قال الفخر:

في تقرير وجه النظم وجهان:
الوجه الأول: أنه تعالى لما أمر الرسل في الآية المتقدمة بالتبليغ، وأمر الأمة بالقبول والمتابعة، وذكر التهديد على ترك القبول والمتابعة بذكر نزول العذاب في الدنيا، أتبعه بنوع آخر من التهديد، وهو أنه تعالى يسأل الكل عن كيفية أعمالهم يوم القيامة.
الوجه الثاني: أنه تعالى لما قال: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُم بَأْسُنَا إِلا أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظالمين} [الأعراف: 5] أتبعه بأنه لا يقع يوم القيامة الاقتصار على ما يكون منهم من الاعتراف بل ينضاف إليه أنه تعالى يسأل الكل عن كيفية أعمالهم، وبين أن هذا السؤل لا يختص بأهل العقاب بل هو عام في أهل العقاب وأهل الثواب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الذين أرسل إليهم} هم الأمة، والمرسلون هم الرسل، فبين تعالى أنه يسأل هذين الفريقين، ونظير هذه الآية قوله: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92].
ولقائل أن يقول: المقصود من السؤال أن يخبر المسؤول عن كيفية أعماله، فلما أخبر الله عنهم في الآية المتقدمة أنهم يقرون بأنهم كانوا ظالمين، فما الفائدة في ذكر هذا السؤال بعده؟ وأيضًا قال تعالى بعد هذه الآية: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} فإذا كان يقصه عليهم بعلم، فما معنى هذا السؤال؟
والجواب: أنهم لما أقروا بأنهم كانوا ظالمين مقصرين، سئلوا بعد ذلك عن سبب ذلك الظلم والتقصير، والمقصود منه التقريع والتوبيخ.
فإن قيل: فما الفائدة في سؤال الرسل مع العلم بأنه لم يصدر عنهم تقصير ألبتة؟
قلنا: لأنهم إذا أثبتوا أنه لم يصدر عنهم تقصير ألبتة التحق التقصير بكليته بالأمة، فيتضاعف إكرام الله في حق الرسل لظهور براءتهم عن جميع موجبات التقصير، ويتضاعف أسباب الخزي والإهانة في حق الكفار، لما ثبت أن كل التقصير كان منهم.
ثم قال تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} والمراد أنه تعالى يكرر ويبين للقوم ما أعلنوه وأسروه من أعمالهم، وأن يقص الوجوه التي لأجلها أقدموا على تلك الأعمال، ثم بين تعالى أنه إنما يصح منه أن يقص تلك الأحوال عليهم لأنه ما كان غائبًا عن أحوالهم بل كان عالمًا بها؟ وما خرج عن علمه شيء منها، وذلك يدل على أن الإلهية لا تكمل إلا إذا كان الإلَه عالمًا بجميع الجزئيات، حتى يمكنه أن يميز المطيع عن العاصي، والمحسن عن المسيء، فظهر أن كل من أنكر كونه تعالى عالمًا بالجزئيات، امتنع منه الاعتراف بكونه تعالى آمرًا ناهيًا مثيبًا معاقبًا، ولهذا السبب فإنه تعالى أينما ذكر أحوال البعث والقيامة بين كونه عالمًا بجميع المعلومات. اهـ.